يعتمد كل من مشروع فعّال لمنظمة غير حكومية أو برنامج مجتمعي ناجح، على قاعدة أساسية مشتركة من البحث العلمي الرصين. غير أنّ البحث ليس قالباً واحداً؛ فالطريقة التي نجمع بها البيانات ونحللها ونفسرها تحدد طبيعة النتائج التي نحصل عليها، ومدى قدرتها على التأثير في صنع القرار.
في هذه المقالة، نستعرض أربعة من أبرز المناهج البحثية: النوعي، الكمي، المختلط ودراسة الحالة.
1. البحث النوعي: استكشاف “لماذا“؟
ما هو؟
يركز البحث النوعي على الكلمات والتجارب والمعاني بدلاً من الأرقام. يسعى للإجابة عن سؤال: لماذا يتصرف الناس أو يفكرون أو يشعرون بطريقة معينة؟
أدواته الشائعة:
- المقابلات المتعمقة
- مجموعات النقاش المركّز (Focus Groups)
- الملاحظة بالمشاركة
- تحليل الوثائق (مثل السياسات، الخطابات، التغطية الإعلامية)
مثال تطبيقي:
قد يجري باحث في مدينة غزة مقابلات مع الأسر لفهم كيف تؤثر أزمة المياه على تفاصيل حياتهم اليومية. النتائج هنا لا تُختزل في أرقام، بل تكشف عن تجارب معيشية واستراتيجيات تكيف وأبعاد إنسانية.
أهميته:
يوفر البحث النوعي فهماً عميقاً وسياقياً، ما يساعد صانعي السياسات والمنظمات على صياغة حلول تراعي الواقع الفعلي واحتياجات الناس.
2. البحث الكمي: قياس “لماذا“؟
ما هو؟
يركز البحث الكمي على الأرقام والمتغيرات القابلة للقياس. ويطرح أسئلة من قبيل: ما الذي يحدث؟ إلى أي مدى؟ وما حجم الظاهرة؟
أدواته الشائعة:
- الاستبيانات المغلقة
- التحليل الإحصائي للمجموعات البيانية
- التجارب أو الاختبارات العشوائية المحكمة
- تحليل البيانات الديموغرافية والاقتصادية
مثال تطبيقي:
قد يعتمد باحث في مجال الصحة العامة بيانات مسحية حول نسبة الأسر في غزة القادرة على الحصول على مياه صالحة للشرب بشكل أمن. إذا أظهرت النتائج أن 70% يعتمدون على مصادر غير آمنة، فهذا رقم واضح ودقيق يسهل على صانع القرار التعامل معه.
أهميته:
توفر الأرقام أدلة كمية تساعد في المقارنة ورسم السياسات وتوجيه الموارد على نحو مدروس.
3. البحث المختلط: الجمع بين الطريقتين
ما هو؟
يمزج البحث المختلط بين المنهجين النوعي والكمي. هدفه الأساسي هو التقاط الصورة الكاملة: الحجم بالأرقام والعمق بالتجارب الإنسانية.
مثال تطبيقي:
قد يتناول بحث حول بطالة الشباب في غزة جانبين:
- مسح ميداني (كمي) لقياس معدلات البطالة.
- مجموعات نقاش أو ورش عمل (نوعي) لفهم كيف تؤثر البطالة على طموحات الشباب ومستقبلهم.
أهميته:
يتيح هذا النهج إنتاج معرفة أكثر شمولاً وقابلية للتطبيق، إذ يربط بين حجم المشكلة وتجارب الأفراد بناءً على الأرقام والاحصائيات.
4. تصميم دراسة الحالة: التعلم من السياق
ما هو؟
تصميم دراسة الحالة يقوم على دراسة معمقة لحالة معينة (مدينة، مؤسسة، سياسة، أو حدث). وغالباً ما يستخدم مزيجاً من الأدوات النوعية والكمية لبناء صورة متكاملة.
مثال تطبيقي:
قد تتناول دراسة حالة أزمة المياه في مدينة غزة من خلال إجراء مقابلات مع السكان المحليين، بيانات إحصائية وتحليل الوثائق، لفهم ليس فقط المشكلة، بل أيضاً توضح مدى عمق المشكلة في إطار تعجيل الاستجابات الحكومية والمجتمعية والدولية.
أهميته:
تُظهر دراسات الحالة كيف تُختبر النظريات في أرض الواقع، وتولّد دروساً عملية يمكن الاستفادة منها في سياقات أخرى.
خاتمة
سواء كنت صانع قرار أو باحثاً أو طالباً جامعياً، فإن الإلمام بأساسيات البحث النوعي والكمي والمختلط وتصميم دراسة الحالة أمر لا غنى عنه. فلكل منهج مزاياه، وغالباً ما تأتي النتائج الأكثر قوة عند الجمع بينها.
في ISSUES، نؤمن أن البحث الجيد لا يقتصر على جمع البيانات، بل يبدأ بطرح الأسئلة الصحيحة وربط النتائج بالتغيير الفعلي على أرض الواقع.