كل دراسة في مجال السياسات العامة تتجاوز حدود الأرقام والاستبيانات والنظريات؛ فهي انعكاس لحياة الناس وواقعهم ومستقبلهم. ولهذا السبب، لا تُعد الأخلاقيات مجرد تفصيل ثانوي، بل هي أساس أي بحث مسؤول. وعندما يهمل الباحثون أو صانعو السياسات البعد الأخلاقي، قد تكون العواقب خطيرة، على سبيل المثال تكريس عدم المساواة، إقصاء الفئات المهمشة، أو حتى اتخاذ قرارات تضر بالمجتمعات من دون قصد. وفي هذا المقال نستعرض ثلاثة أبعاد أساسية للأخلاقيات في أبحاث السياسات العامة وهي كالتالي:
- مواجهة التحيز: التأثيرات غير المرئية
التحيز من أكبر التحديات في البحث، وقد يظهر في عدة مراحل: تصميم الاستبيانات، اختيار العينة، تفسير النتائج، أو حتى من خلال قناعات الباحث نفسه.
أمثلة على أشكال التحيز:
- تحيز العينة: الاكتفاء بدراسة مجموعات يسهل الوصول إليها.
- التحيز التأكيدي: تفسير النتائج بما يتماشى مع افتراضات مسبقة.
- التحيز الثقافي: تطبيق نماذج تحليلية من سياق معين (مثل الدول الغربية) على مجتمعات مختلفة تمامًا.
كيفية الحد منه:
- الالتزام بالشفافية في منهجية البحث.
- الاستفادة من المراجعة الأكاديمية والنقد الخارجي.
- الاعتماد على مصادر بيانات متعددة ومتنوعة لتحقيق التوازن.
- ضمان الشمولية: من يُسمع صوته؟
الأبحاث الأخلاقية تطرح سؤالًا مهمًا: من يُمثَّل في البحث ومن يُستبعد؟
رغم أن السياسات العامة تمس الجميع، إلا أن الدراسات تستبعد في كثير من الأحيان النساء، الأقليات، اللاجئين، أو ذوي الإعاقة. هذا لا يضر بالعدالة فقط، بل يضعف جودة النتائج أيضًا.
البحث الشامل يتطلب:
- إشراك المجموعات المهمشة بشكل متعمد.
- اعتماد المشاركة المجتمعية عند صياغة أسئلة البحث.
- عرض النتائج بلغة مفهومة تسهّل وصولها إلى غير المتخصصين.
مثال تطبيقي:
دراسة عن السياسات السكنية في غزة تقتصر على استطلاع الأسر متوسطة الدخل، ستفشل في عكس معاناة الأسر الفقيرة أو النازحة، وبالتالي تنتج نتائج غير دقيقة.
- المشاركة الأخلاقية: ما بعد جمع البيانات
الأخلاقيات في البحث لا تعني فقط “عدم الإضرار”، بل تشمل أيضًا تعزيز العدالة والمساءلة.
هذا يتطلب:
- الحصول على موافقة المشاركين بشكل واعٍ ومستنير.
- حماية سرية البيانات خصوصًا في البيئات الحساسة.
- مشاركة نتائج البحث مع المجتمعات المعنية، وليس فقط مع الأكاديميين وصناع القرار.
- إدراك العلاقة غير المتكافئة بين الباحث والمشارك، ومحاولة موازنتها.
مثال تطبيقي:
في مناطق النزاع، قد يشعر المشاركون بالضغط للإجابة بطريقة معينة. البحث الأخلاقي هنا يعني الاعتراف بهذه الضغوط وبناء الثقة لضمان مشاركة حقيقية وصادقة.
خاتمة
الأخلاقيات في البحث ليست رفاهية، بل هي الضمان الوحيد لأن تكون السياسات قائمة على العدل وتخدم الصالح العام. من خلال مواجهة التحيز، وضمان الشمولية، والمشاركة المسؤولة، يمكن إنتاج معرفة أكثر دقة وعدالة.
وفي ISSUES، نؤمن أن البحث الأخلاقي هو البحث الجيد. فبدون الأخلاقيات، تصبح الأدلة وسيلة للإقصاء، ومعها تتحول إلى أساس للتغيير العادل والمؤثر.