عندما نتحدث عن السياسات العامة أو الحوكمة أو البحث العلمي، نميل غالبًا إلى تسليط الضوء على قصص النجاح مثل برنامج خفّض معدلات الفقر، مبادرة زادت من مشاركة المواطنين، أو إصلاح حسّن كفاءة المؤسسات. وهذه النجاحات ملهمة بلا شك، لكنها لا تمثل سوى نصف القصة. وأما النصف الآخر—وهو الإخفاقات والعقبات والنتائج غير المتوقعة—فلا يقل أهمية. وبل إن بعضًا من أهم الدروس في صنع السياسات والبحث العلمي جاءت من التجارب الفاشلة بقدر ما جاءت من النجاحات.
لماذا ندرس الإخفاقات؟
- الفشل يكشف الافتراضات الخفية
كثير من السياسات تُبنى على تصورات معينة حول سلوك الناس أو الموارد المتاحة أو قدرات المؤسسات. وعندما تفشل، فإنها تكشف ما تم تجاهله أو ما لم يُؤخذ في الحسبان.
- الفشل يذكّرنا بأهمية السياق
سياسة قد تنجح في بلد ما قد تفشل في بلد آخر بسبب اختلافات في الثقافة أو السياسة أو الإمكانات. لذلك تساعد دراسة الفشل في فهم الدور الحاسم للسياق المحلي.
- الفشل يمنع تكرار الأخطاء
توثيق الإخفاقات وتحليلها يوفر مرجعًا للأجيال القادمة من الباحثين وصانعي القرار، ما يوفر الوقت والموارد، وأحيانًا ينقذ الأرواح.
أمثلة ودروس مستفادة
- مشاريع التنمية العمرانية السريعة
في مدن عديدة، بُنيت مجمّعات سكنية ضخمة لحل أزمة السكن، لكنها فشلت لأنها تجاهلت حاجة السكان للخدمات الأساسية مثل المدارس وفرص العمل والمرافق المجتمعية.
الدرس: لا تنجح سياسات الإسكان دون رؤية شاملة للبنية الاجتماعية.
- إعادة الإعمار في غزة
بعض برامج المساعدات ركزت على الاستجابة السريعة، مثل توفير مساكن مؤقتة تدهورت بسرعة. ورغم أنها عالجت احتياجات عاجلة، إلا أنها أبرزت خطورة التفكير قصير المدى.
الدرس: التعافي الحقيقي يحتاج إلى تخطيط طويل الأمد، وليس حلولًا مؤقتة فقط.
- الحملات الصحية العامة
في بعض المناطق، فشلت برامج التطعيم أو التوعية الصحية لأنها افترضت أن المعلومات وحدها تكفي لتغيير السلوك. لكن غياب الثقة المجتمعية وعدم مراعاة الخصوصيات الثقافية أدى إلى فشل هذه الحملات.
الدرس: السياسات الصحية الناجحة تبنى على التواصل وبناء الثقة، إلى جانب التدخل الطبي.
كيف نحول الفشل إلى معرفة؟
- تعزيز الشفافية: توثيق النجاحات والإخفاقات على حد سواء.
- نشر ثقافة المراجعة والتأمل: تشجيع النقد البنّاء بعيدًا عن منطق اللوم.
- بناء آليات للتغذية الراجعة: تحديث السياسات باستمرار استنادًا إلى الدروس المستخلصة من التطبيق.
خاتمة
الفشل ليس نهاية الطريق، بل جزء من عملية بناء سياسات أفضل ومجتمعات أقوى. النظر إلى الإخفاق باعتباره فرصة للتعلم بدلاً من كونه عارًا يُخفى، يفتح المجال أمام الابتكار والمرونة والتطور الحقيقي.
في ISSUES، نؤمن أن كل فشل يحمل في طياته خريطةً للإصلاح. ومن خلال دراسة ما نجح وما لم ينجح، نمهد الطريق نحو تغيير قائم على الأدلة والواقع.